د. حسين عمر عثمان يكتب: وزير عدل سابق يُخاصم بلاده أمام العدالة الدولية
الأحد، 13 أبريل 2025 10:12 ص

د. حسين عمر عثمان
في تصرف يُنظر إليه مخالف للتقاليد والقيم التي يُفترض أن يلتزم بها المسؤولون (الحاليون أو السابقون) تجاه وطنهم، خاصة عند التحدث أو التصرف في سياقات دولية أو قضايا تمس السيادة الوطنية. نشر وزير العدل السوداني السابق نصر الدين عبد الباري، مقالًا عن الدعوى التي تقدمت بها حكومة السودان ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، على خلفية اتهامها بالمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية ضد قبيلة المساليت في دارفور. وعلى الرغم من أن المقال جاء في ظاهرِه بصيغة قانونية، فإنه في جوهره يمثل خطابًا سياسيًا يسعى إلى نزع الأهلية القانونية عن الحكومة السودانية الحالية بوصفها "سلطة أمر واقع"، والتشكيك في تمثيلها للضحايا، فضلًا عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة استنادًا إلى المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. لكنّ الطرح الذي تبناه عبد الباري لم يكن قانونيًا بقدر ما كان بيانًا سياسيًا يصبّ في مصلحة الجهة المدعى عليها، لا في خدمة العدالة أو الدفاع عن الضحايا. وما أثار دهشة الشارع السوداني، لا سيما من أبناء دارفور، أن كاتب المقال هو ابن الإقليم نفسه، وقد كان شاهدًا على المأساة، كما شغل منصب وزير العدل، وهو الموقع الأسمى في الدولة لحماية الحقوق وضمان العدالة. والمثير للاستغراب أن المقال تحوّل إلى مادة إعلامية تُستخدم لصالح المتهم، بل أشبه بشهادة دفاع مجانية، وهو ما يستوجب التوقف عنده وما ورد فيه من مغالطات قانونية ومنهجية. أولًا، منصب وزير العدل ليس وظيفة إدارية بل مسؤولية أخلاقية ووطنية. فالدور الحقيقي لهذا المنصب لا يقتصر على أداء الواجبات السياسية، بل يتعداه إلى تمثيل روح العدالة والانتصار لحقوق المظلومين. وكان من الأجدر بالوزير السابق أن ينحاز للضحايا، لا أن يتحول دفاعاً عن من يُتهم بالمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية. ثانيًا، العدالة لا تُقاس بالنوايا، بل بالوقائع والأدلة. أشار عبد الباري في مقاله إلى أن الحكومة السودانية الحالية تفتقر إلى "الأهلية الأخلاقية" لرفع الدعوى، مستشهدًا بانتهاكات سابقة ارتكبتها القوات المسلحة السودانية. وهذا الطرح، رغم ما فيه من إثارة سياسية، يتجاهل الأساس القانوني الذي يحكم عمل محكمة العدل الدولية، والتي تنظر في الأفعال محل الاتهام وليس في تاريخ المدعي أو نواياه. والسؤال الجوهري: هل ارتُكبت جريمة إبادة جماعية ضد قبيلة المساليت؟ وهل قُدمت مساعدات مباشرة أو غير مباشرة من دولة الإمارات إلى الجهات التي ارتكبتها؟ وهل توجد أدلة موثقة تثبت ذلك؟ هذه هي الأسئلة التي تبحث المحكمة عن إجابة لها، لا عن طبيعة من قدّم الدعوى أو تاريخه السياسي. ثالثًا، هل التحفظ الإماراتي على اختصاص المحكمة يُسقط حق السودان في طلب إجراءات مؤقتة. استند الوزير السابق إلى تحفظ الإمارات بموجب المادة التاسعة من الاتفاقية، معتبرًا أنه ينزع اختصاص المحكمة. السؤال هل السودان طلب في هذه المرحلة حكمًا نهائيًا؟ ام إجراءات مؤقتة، وهي تدابير تُتخذ بشكل عاجل لحماية الضحايا ومنع تفاقم الأوضاع، وهل يشترط لذلك حسم الجدل بشأن اختصاص المحكمة . رابعًا، الأدلة التي قدمتها الحكومة السودانية تستند إلى مصادر معتبرة وموثقة، من بينها تقارير لجان أممية، وشهادات ناجين، وصور أقمار صناعية، وكلها تؤكد وجود نمط من العنف المنهجي يستهدف جماعة إثنية محددة. وإن ثبت أن الإمارات قدمت دعمًا ماديًا أو لوجستيًا خلال تنفيذ هذه الجرائم، فإنها تُعد طرفًا مساهمًا في الجريمة بموجب القانون الدولي، وتتحمل تبعات ذلك أمام القضاء. خامسًا، التضحية بالعدالة من أجل تصفية الحسابات السياسية تمثل إساءة فادحة للمهنة القانونية. ما قدّمه عبد الباري لا يعكس تحليلًا قانونيًا نزيهًا، بل اصطفافًا سياسيًا واضحًا ضد الحكومة الحالية، حتى وإن جاء ذلك على حساب الضحايا الذين يُفترض بصفته محاميًا ووزير عدل سابق، أن يدافع عنهم. فهل يجوز لمن تولّى منصب العدل أن يهاجم سعي بلاده للجوء إلى العدالة الدولية؟ العدالة لا تُبنى على هوية المطالب بها، بل لأنها حق مشروع، لا يسقط بالخلافات أو الاصطفافات.اخيراً، إن ما كتبه الوزير السابق لا يُعد تحليلًا قانونيًا موضوعيًا، بل خطابًا انتقائيًا محمّلًا برسائل سياسية . أما محكمة العدل الدولية، فهي ساحة تفصل بين الخصوم بالدليل والحجة، لا بالمواقف المسبقة والبيانات السياسية. أخطأ الوزير السابق في طرحه لان ما جاء به يجافي العدالة والمنطق حين اختار الاصطفاف مع المتهم ضد الضحايا، وضحّى بالموقف الأخلاقي والمهني في سبيل مصالح سياسية، بينما كان المنتظر منه أن يُعلي صوت العدالة فوق كل اعتبار. وبهذا التصرف ان وزير العدل السابق خالف التقاليد والقيم المتعارف عيها واتخذ موقفًا قانونيًا و سياسيًا في قضية دولية ضد بلاده، مستندًا إلى صفته السابقة، وهو ما يُعتبر خرقًا لهذه التقاليد.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
أضرار سوء استخدام المضادات الحيوية.. تعرف عليها
29 مارس 2025 02:34 م
ترامب يقدم عرضا مغريا للصين مقابل بيع تيك توك
29 مارس 2025 02:23 م
نقع الأطعمة.. خطوة بسيطة تعزز الفوائد الغذائية والهضم
21 مارس 2025 11:32 م
كيف يؤثر الجفاف على الكلى؟.. دراسة توضح
17 مارس 2025 01:53 م
أضرار الإفراط في تناول السكريات خلال شهر رمضان الكريم
10 مارس 2025 02:33 م
الأكثر قراءة
-
والي القضارف يشهد احتفال الفرقة الثانية مشاة بتخريج الدفعه (٨٣) مستجدين بالولاية
-
مجلس الوزراء يعلن عن التقديم لوظيفة معتمد اللاجئين
-
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي يكتب: أنطاليا التركية بين العزلة والعودة
-
الناطق الرسمي باسم الحكومة ينعى المناضلة الميرم الدكتورة هنادي النور "بت الفاشر"
-
بعد العثور على أسلحة في صناديق تابعة لها.. الأمم المتحدة: كانت تحتوي خيام ولوازم طبية ونهبت خلال النزاع
أكثر الكلمات انتشاراً