وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي يكتب: مجزرة الصالحة انكشاف الفشل الدولي

الثلاثاء، 29 أبريل 2025 10:03 ص

ابراهيم شقلاني

ابراهيم شقلاني

  شكّلت مجزرة الصالحة جنوبي أم درمان علامة فارقة في سجل الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين في السودان ، حيث جسّدت المذبحة انتقال جرائم مليشيا الدعم السريع من الانتشار الأفقي إلى "التوحش الرأسي النوعي"، بحسب أحد الخبراء . ففي مشهد يهز الضمير الإنساني ، أقدمت مليشيا الدعم السريع على تصفية (31) شاباً رمياً بالرصاص في ميدان عام، بدم بارد وأمام أعين الأهالي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، مما يرقى إلى مرتبة جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.

وفق شهادات شهود العيان والتقارير الأولية في الصحافة السودانية، داهمت عناصر المليشيا  صباح يوم المجزرة ساحة عامة بمنطقة الصالحة، وأطلقت النار على عدد من الأسرى المدنيين. ومع إعلان شبكة أطباء السودان ارتفاع حصيلة الضحايا إلى (31)، اتسعت أصداء الجريمة، كاشفةً مدى التزامها بنصوص القانون الدولي والانساني .

تعهدت المليشيا  في وقت سابق بمعاملة الأسرى وفق قوانين الحرب، إلا أن الوقائع الموثقة بالصوت والصورة بيّنت أن هذه الوعود لم تتجاوز حدود الدعاية الإعلامية، ما يثبت نهجاً ممنهجاً في انتهاك حقوق الإنسان، حيث ظهرت قيادات ميدانية تتبع للمليشيا  وهي تروي تفاصيل الجريمة مؤكدةً ارتكابها للمجزرة.. ما يفتح الباب امام امكانية مقاضاتهم .

جددت وزارة الخارجية السودانية إدانتها لميليشيا الدعم السريع ، على خلفية ارتكابها هذه  المجزرة ، داعيةً إلى تصنيفها جماعة إرهابية ومحاسبة راعيتها الإقليمية. سياسيًا أدانت قوى مدنية ووطنية، منها حزب المؤتمر السوداني في سابقة أولية، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، وحزب الأمة الإصلاح ، هذه الجريمة البشعة، محمّلين الدعم السريع المسؤولية الكاملة، ومطالبين المجتمع الدولي بالتحرك العاجل وتشكيل لجان تحقيق مستقلة، ومحاسبة كل الأطراف التي تواصل دعم المليشيا بالسلاح والعتاد.

بدورها، أصدرت الهيئة الصوفية القومية بياناً قوياً استند إلى أدلة مصورة واعترافات من داخل صفوف مليشيا الدعم السريع، مما يعزز الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشكل متعمد وممنهج.

عسكرياً، تزامنت المجزرة مع تقدم الجيش السوداني في غرب أم درمان، وسيطرته على معسكر "كونان" وتقدمه نحو معسكر الصالحة، مما يرجح أن المليشيا أقدمت على تصفية الأسرى والمدنيين خشية سقوطهم أحياء في يد الجيش وكشف مزيد من الفظائع.

إن مجزرة الصالحة لا تمثل فقط انتهاكاً منفرداً، بل تدق ناقوس الخطر حيال مستقبل السودان، إذ تسهم المجازر وبث مشاهد التصفية العلنية في تفكيك النسيج الاجتماعي ونشر الهزيمة النفسية بين المدنيين. وفي ظل صمت دولي مريب، يتعاظم السؤال الأخلاقي : ما جدوى منظومة القانون الدولي إذا مرت مذابح بهذا الحجم دون عقاب أو ردع ؟ وإذا لم تُصنّف المليشيا  كمنظمة إرهابية بعد كل هذا التوحش الموثق، فبأي معيار إذن يُحدد الإرهاب؟

إن تجاهل هذه الجرائم يشكل طعنة في مصداقية النظام الدولي، ويزيد من مأساة السودان الذي يقاتل اليوم معركتين: معركة البقاء ضد مليشيات الموت، ومعركة استرداد الكرامة والعدالة التي لا تسقط بالتقادم. تظل دماء شهداء الصالحة، ومن قبلهم ضحايا دارفور وسنار والجزيرة، شاهداً أبدياً على حجم المأساة، ومشعلاً حيًا في معركة الحرية والكرامة التي  لن تخبو جذوتها حتى يتم تحرير جميع الأرض من دنس التمرد وداعميه  المحليين والإقليميين، من اجل استعادة الأمن وتحقيق السلام .

في حضرة الدم المراق، وعبر ركام المدن المنكوبة، يبدو العالم وكأنه يختبر أقسى امتحاناته الأخلاقية، وهو يعلم بثبوت الدعم الإقليمي لهذه الحرب عبر عدد من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية  . فعندما تُستهدف البيوت والمدارس والمستشفيات عمدًا، تُغتال الكرامة الإنسانية، وتتحول الحرب  إلى جريمة، ويصبح السكوت عليها سقوطاً أخلاقياً وخذلاناً لا يليق بضمير  الإنسانية.

هنا، تبرز أهمية القانون الدولي والانساني ، الذي يؤكد أن حماية المدنيين والأسرى أثناء النزاعات واجب قانوني لا يمكن تجاوزه  حيث تنص اتفاقيات جنيف  لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية لعام 1977 على ضرورة حماية المدنيين والأسرى خلال النزاعات المسلحة، وتُعد الأعمال الوحشية مثل القتل المتعمد للأسرى أو المدنيين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفقًا لهذه المعايير، فإن ارتكاب مثل هذه الأفعال يعرض مرتكبيها للملاحقة أمام محكمة الجنايات الدولية، استنادًا إلى نظام روما الأساسي لعام 1998.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة  فإننا ، نستحضر قول هيجل: "الحرية لا تتحقق إلا من خلال القانون"، وأن غياب الالتزام بالقوانين لا يعني مجرد تجاوز للقانون، بل هو تدمير للحرية نفسها وتفكيك للقيم الإنسانية. كما  أن الحرية لا تكمن في الفوضى، بل في التنظيم الذي يضمن الحقوق والعدالة. في هذا السياق، نأمل أن تواصل المؤسسات العدلية السودانية العمل الجاد في إثبات حقوق الضحايا، وتحقيق العدالة لهم، من خلال تطبيق القوانين المحلية والدولية التي تضمن حماية حقوق الإنسان. سيكون هذا خطوة مهمة نحو استعادة الأمن والسلام في السودان، وتعزيز سيادته الوطنية على أسس من العدالة والكرامة الإنسانية.

دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 29 أبريل 2025 م        [email protected]

search