وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي يكتب: دعونا نمشي في جنازة النضال
الأحد، 20 أبريل 2025 10:26 ص

إبراهيم شقلاوي
يبدو أن هيجل، لو قُدِّر له أن يشاهد حوارات نيروبي، لضحك طويلًا وهو يهمس: "ها هو الزيف يُعرِّي نفسه بنفسه". ففي واحدة من أغرب لحظات التاريخ السياسي السوداني، جلس قادة "النضال الكرتوني" أمام كاميرا "الحدث"، لا ليُقنعوا أحدًا بقضيتهم، بل ليوقِّعوا – دون أن يدروا – على شهادة خوائهم الكامل من القيم والمبادئ المدّعاة.
لقد تحوّل الحوار إلى محكمة، والمذيعة إلى قاضي ، فيما أصرّ "الجناة" على فضح أنفسهم بحديثهم المرتبك. ما بين من لا يعرف من ارتكب الإبادة، ومن يرى في المجازر تقاليد سياسية، ومن يقيس حجم الجريمة بمسطرة "النظام السابق"، تهاوت الأقنعة تباعًا، وسقطت شعارات "الحقوق" في بئر العتمة والنسيان المفضوح .
هكذا، جاءت سلسلة الحوارات التي أجرتها الزميلة الإعلامية البارعة ضحى الزهيري لقناة "الحدث" من نيروبي، لتمنح الوعي العام اختبارًا صادمًا لخطابات ظلّت لعقود تحتمي بالنضال الكذوب. لم تكن تلك الحوارات مجرد لقاءات إعلامية، بل كانت لحظة مواجهة حاسمة كشفت فراغًا سياسيًا مريعًا خلف وجوه طالما تزيّنت بشعارات التحرر والنضال، وأكدت أن من يتحالف ضد وطنه لن تُسعفه البلاغة مهما اوتي من ناصية الكلمة حين تحين ساعة الحقيقة.
في خضم الفوضى التي خلّفتها حرب الخامس عشر من أبريل 2023، تبرز لحظات نادرة تُعيد تشكيل الوعي العام، وتفتح نافذة حقيقية لفهم المشهد السياسي بكل تناقضاته. هذا تمامًا ما فعلته الإعلامية ضحى الزهيري من خلال سلسلة حوارات بثتها قناة "الحدث" من نيروبي مؤخرًا. لم تكن مجرد مقابلات عابرة، بل كانت جلسات استجواب سياسية مكثفة، سُحبت فيها الأقنعة عن وجوه اعتادت التواري خلف شعارات المقاومة والنضال المصنوع، فإذا بها تنكشف على حقيقتها: وجوه مهزومة، وسرديات مثقوبة، وتاريخ زائف سرعان ما يطويه النسيان.
بحسّها المهني العالي وقراءتها العميقة للواقع السوداني، نجحت الزهيري في تحويل الحوار إلى محكمة رأي عام. لم تحتج لأكثر من ثلاثة أسئلة لتُسقط ما يسمى بقيادات عبد الواحد نور، وعبد العزيز الحلو، وسليمان صندل حقار، ومبروك مبارك سليم. أسئلة مباشرة، قصيرة، ولكنها عارية من المجاملة، قادت المشاهد الذكي إلى قلب التناقضات التي يحملها هؤلاء القادة في مواقفهم وخطاباتهم.
حين سُئل عبد الواحد عما إذا كانت المجازر ضد المساليت ترقى لمستوى الإبادة الجماعية، أجاب بـ"نعم"، ثم تراجع عاجزًا عن تسمية من ارتكبها. أما صندل، الذي يُفترض أنه ابن دارفور، فقد برّر تحالفه مع الدعم السريع ـ الذي ارتكب مجازر في زمزم وحاصر الفاشر ـ بكلام فضفاض عن المجازر والتاريخ وعمر البشير. والحلو، الذي كان يُنظر إليه كرجل مبدأ، لجأ لمقارنة الإبادة بإبادة أخرى ليبرّر تحالفه مع الجلاد. كلهم تهرّبوا من الحقيقة، وكلهم أظهروا عجزًا أخلاقيًا وسياسيًا فاضحًا.
هذه الحوارات لم تُعرِّهم فقط، بل عرّت الفكرة التي يمثلونها: فكرة استغلال القضية لصالح تحالفات مرحلية، والمقايضة على دماء الأبرياء بمكاسب سياسية زائفة. لقد أسقطت الحوارات كل محاولة لإعادة تسويق هؤلاء كرموز، وأثبتت أنهم لا يملكون مشروعًا، ولا حتى موقفًا أخلاقيًا ثابتًا، بل هم أدوات في تحالف هش، أضعفه منطقه قبل أن تُضعفه الوقائع.
ما قامت به ضحى الزهيري، وهي المصرية العارفة بخبايا المشهد السوداني، ليس فقط عملًا إعلاميًا لافتًا، بل مساهمة عميقة في فرز المشهد، وتقديمه للناس كما هو: خالٍ من الشعارات، مليء بالتناقضات. لقد أضاءت بكاميرتها مناطق العتمة، وأثبتت أن كثيرًا من "القيادات" لا يصمد أمام سؤال واحد صادق.
ربما أرادت بعض الجهات من تلك الحوارات إعادة بريق مصطنع لتحالف متهالك، أو خلق زخم إعلامي لقوى فقدت رصيدها الأخلاقي والسياسي ، لكن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا. سقط القناع، وتبيّن للسودانيين أن من توهّموا فيهم قيادة هم في حقيقتهم عملاء ومرتزقة، وأن من رفعوا الشعارات لم يكونوا أكثر من أدوات في مشروع لا وطن له.
#ضحى_الزهيري لم تحاورهم فقط، بل واجهتهم بمرآة ضميرهم، وتركتهم يسقطون واحدًا تلو الآخر تحت ثقل تناقضاتهم. ولهذا تستحق التحية، ليس فقط على مهنيتها، بل على شجاعتها في كشف المستور.
هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، يمكننا القول: لقد جاءت هذه الحوارات في لحظة فارقة من تاريخ السودان، حيث تتقدم القوات المسلحة بثبات نحو استعادة الأرض والقرار، وتُسقط يومًا بعد يوم أركان المشروع الأجنبي الذي راهن على تفكيك الدولة. ومن قلب هذا المشهد، أسهمت تلك المقابلات في تعرية رموز التحالف المأجور، وكشف زيف شعاراتهم، لتؤكد أن معركة الوعي لا تقل أهمية عن المعركة في الميدان، وأن السيادة الوطنية تُحمى بالسلاح وبالحقيقة معًا... لا بالمشي خلف جنازة النضال العميل.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
أضرار سوء استخدام المضادات الحيوية.. تعرف عليها
29 مارس 2025 02:34 م
ترامب يقدم عرضا مغريا للصين مقابل بيع تيك توك
29 مارس 2025 02:23 م
نقع الأطعمة.. خطوة بسيطة تعزز الفوائد الغذائية والهضم
21 مارس 2025 11:32 م
كيف يؤثر الجفاف على الكلى؟.. دراسة توضح
17 مارس 2025 01:53 م
أضرار الإفراط في تناول السكريات خلال شهر رمضان الكريم
10 مارس 2025 02:33 م
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً