د. حسين عمر عثمان يكتب: مؤتمر لندن يكشف ملامح تحوّل في المواقف الدولية
السبت، 19 أبريل 2025 12:41 م

د. حسين عمر عثمان
منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع في أبريل 2023، لم تفلح المبادرات السابقة في وقف الحرب أو تقديم مبادرة حقيقة لحسم النزاع. ولكن التحولات الأخيرة، وعلى رأسها تحرير ولاية الخرطوم، والتقدم الميداني للقوات المسلحة، إلى جانب التدهور الإنساني والأمني في السودان، دفعت المجتمع الدولي إلى التفاعل بشكل أكثر جدية مع الأزمة، فجاء مؤتمر لندن كمحطة مهمة في مسار البحث عن حلول للأزمة السودانية، ورغم الانتقادات التي وُجّهت للمؤتمر لعدم تقديمه مبادرة واضحة وحاسمة، إلا أن المؤشرات التي رافقته، وتغيّر لهجة الخطاب الصادر عن عدد من الدول المؤثرة يعكس ملامح تحوّل في المواقف الدولية، هو تحوّل قابل للاستثمار إن أُحسن التعامل معه دبلوماسيًا وسياسيًا من قبل الحكومة السودانية. و بدأ بعض أعضاء المجتمع الدولي يدركون أن وحدة السودان ، خاصة مع اتساع رقعة الانفلات الأمني وتدفق اللاجئين وانتشار الجماعات المسلحة عبر حدود مفتوحة مع دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان. هذا التحول دفع عددًا من الدول إلى إعادة تقييم مواقفها السابقة، بعد أن تبيّن أن الحرب لم تعد شأناً داخليًا، بل تهديدًا إقليميًا . فجاءت الدعوات المتزايدة لدعم الانتقال المدني، والحفاظ على وحدة السودان، ومنعه من التفكك، لا بدافع التعاطف الدولي فحسب، بل انطلاقًا من أن أمن السودان جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة. من هنا جاء تغيير الخطاب السياسي تجاه أطراف النزاع، وخصوصًا تجاه قوات الدعم السريع كان صريحاً وسلبياً ، وتلقّت القوات المسلحة السودانية دعمًا سياسيًا ضمنيًا، مع تحميلها مسؤولية الالتزام بمسار الانتقال المدني. الدولة المضيفة المملكة المتحدة، فقد بعثت برسائل مزدوجة إدراكًا لخطر الفوضى على أمن المنطقة، مع إشارة سياسية مبطّنة إلى ضرورة استعادة وحدة الدولة ومؤسساتها، وهو ما ينسجم مع مواقف دول عربية ،خصوصًا المملكة العربية السعودية ومصر، اللتين تبنتا دعمًا علنيًا لمؤسسات الدولة السودانية إدراكًا لخطر الفوضى على امن المنطقة. في المقابل، واجهت الإمارات موقفًا دبلوماسيًا حرجًا، في ظل تصاعد الاتهامات الأممية بشأن دعمها لقوات الدعم السريع، وتزامن ذلك مع تقدم السودان بشكوى ضدها إلى محكمة العدل الدولية. أما الولايات المتحدة، التي اتُّهمت سابقًا بالتغاضي عن جرائم الدعم السريع، فقد بدت أكثر حذرًا في خطابها، مركزّة على إيصال المساعدات ووقف الانتهاكات. في حين أبدت بعض دول الاتحاد الأوروبي قلقًا متزايدًا من تفاقم الأوضاع، إلا أنها تجنبت توجيه اتهامات مباشرة، ربما نتيجة تباين مواقف أعضائها. أما الاتحاد الإفريقي، فقد غاب عنه الدور المتوقع، رغم صدور مواقف مبدئية إيجابية بشأن وحدة السودان. يمكن القول أن المواقف الدولية التي كانت رمادية في السابق بدأت تتمايز، وظهرت الخطوط الفاصلة بين من يؤمن بشرعية الدولة السودانية، ومن يراهن على الفوضى والتفكيك لتحقيق مصالحه أو نفوذه. ومن أبرز التحولات التي كشف عنها المؤتمر، تراجع مكانة الدعم السريع في الحسابات الدولية. بعد أن كانت تُعامل كطرف لا غنى عنه في أي تسوية سياسية، باتت اليوم في عزلة متزايدة، خاصة مع تصاعد التقارير الدولية التي وثّقت انتهاكات جسيمة في الخرطوم ودارفور ومناطق اخرى ، مجازر جماعية واغتصابات ممنهجة ،حرق للقرى، ونهب وتدمير للمرافق العامة، كما وثّقتها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش و أطباء بلا حدود بالإضافة الي تقارير أممية أخرى. وقد زاد من وطأة هذه العزلة، حصار مدينة الفاشر والمشاهد المروعة من معسكر زمزم للنازحين، والتي تزامنت ايضاً مع انعقاد مؤتمر لندن، لتشكل صدمة دولية أخلاقية يصعب تجاوزها. أما موقف المؤتمر من "الحكومة الموازية" التي أعلنتها بعض القوى المتحالفة مع الدعم السريع، فكان واضحًا التجاهل الكامل لها، بما يعكس رفضًا غير مباشر لمحاولات فرض كيانات موازية او بديلة عن الدولة، أو تقسيم السلطة على أسس عسكرية أو جغرافية. رغم أن المؤتمر لم يدعم القوات المسلحة بشكل مباشر، إلا أنه أبقاها ضمن معادلة الحل السياسي، وتحدث المؤتمر عن ضرورة إيصال المساعدات عبر مسارات يُشرف عليها شركاء حكوميون أو دوليون في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، مع التأكيد على ضرورة التزام المؤسسة العسكرية بمسار انتقالي مدني. خلاصة القول لقد أظهر مؤتمر لندن تحولًا تدريجيًا وملحوظًا في مواقف عدد من الدول الفاعلة، من التردد في المواقف ، إلى وعي أعمق بخطورة تفكك الدولة السودانية. ومع أن هذا التحول لا يزال في طور التشكل، إنه يفتح أمام الحكومة السودانية نافذة لإعادة بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، والانفتاح على تسوية سياسية شاملة، تستند إلى وحدة البلاد، وسيادتها، واستقرارها.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
أضرار سوء استخدام المضادات الحيوية.. تعرف عليها
29 مارس 2025 02:34 م
ترامب يقدم عرضا مغريا للصين مقابل بيع تيك توك
29 مارس 2025 02:23 م
نقع الأطعمة.. خطوة بسيطة تعزز الفوائد الغذائية والهضم
21 مارس 2025 11:32 م
كيف يؤثر الجفاف على الكلى؟.. دراسة توضح
17 مارس 2025 01:53 م
أضرار الإفراط في تناول السكريات خلال شهر رمضان الكريم
10 مارس 2025 02:33 م
الأكثر قراءة
-
المعارضة التشادية تكشف عن اتفاق إماراتي تشادي لإشعال الحرب في السودان
-
قبيلة الجعليين ترفض إثارة مجتمع الشمال ضد القوات المشتركة
-
عضو مجلس السيادة الفريق جابر يشيد بمتانة العلاقات الثنائية بين السودان وموريتانيا
-
التربية والتعليم بالخرطوم تعلن مصفوفة إجراءات مزاولة العمل وقطع الإجازة المفتوحة للمعلمين
-
تدشين مشروع التحصيل والسداد الإلكتروني إيصالي بالشمالية
أكثر الكلمات انتشاراً