د. عصام الدين بدري يكتب.. المؤسسة الأجدر

الأربعاء، 19 فبراير 2025 09:22 م

د. عصام الدين بدري

د. عصام الدين بدري

أجد نفسي منحازًا لمصطلح "الجيش" أكثر من "القوات المسلحة" وذلك لأنني أراه قويًا وشاملًا ومعبرًا.

يُعتبر الجيش السوداني أو القوات المسلحة السودانية عنوان الوحدة الوطنية بتكوينه وتوليفته ومواقفه في الوقائع والأحداث عبر التاريخ. هو خير من يعبر عن هوية الشعب وأهوائه وأشواقه وأهدافه. وليس أدل على ذلك من هذا الاصطفاف العظيم الذي نشهده الآن في حرب الكرامة، فقد راهن الشعب على جيشه والتحم معه في مشهد عجيب وملهم لغيره من الشعوب، تحدث عنه العدو والصديق، وضجت به الوسائط، وصدح به المحللون على القنوات، وأصبح مضرب مثل وموضع مقارنة في تفاعل الشعوب التي مرت بنفس الظروف مع جيشها. وقد بادل الجيش شعبه وفاءً بوفاء، فكان الثبات والتضحيات الجسام.

المهمة الكبرى والاستراتيجية للجيش السوداني عند اندلاع هذه الحرب كانت الحفاظ على الدولة السودانية من الضياع، وتثبيت الموقف، وزرع الثقة في الشعب، وبث روح الأمل في المواطنين. وهذه مهمة صعبة للغاية، لأن الجيش كان لزامًا عليه أن يقاتل وحده في ظل الظروف التي قامت فيها الحرب، واختلال ميزان تعادل القوى بين الطرفين. ولكن الجيش السوداني بتضحياته وثبات أفراده وحنكة قيادته أنجز المهمة، مما استنهض الشعب السوداني، فقام مدافعًا عن وطنه. فكانت المقاومة الشعبية التي شارك فيها كل أطياف الشعب السوداني، كل بما يملك.

الناظر للجيش السوداني من قيادته وهيئة أركانه إلى قواته ووحداته في أدنى مستوى، يجد تنوعًا عجيبًا وتناغمًا فريدًا بين مختلف أطيافه وإثنياته وانتماءاته القبلية، إلى جانب التنوع في الانتماءات الحزبية وتلونها، والتوجهات العقائدية والدينية. اختلاط وتنوع كبير يعبر عن السودان. فمن أراد أن يرى السودان، تاريخًا وجغرافيا، موروثًا وعادات وتقاليد، فلينظر إلى الجيش السوداني.

في معركة الكرامة، هناك قصص وحكايات تعبر عن الوحدة الوطنية والانصهار والالتفاف بين أفراد الجيش حول حب الوطن ولا شيء غيره. ليس هذا مكانها، ولكن خلاصتها أن الجميع كان يدافع عن الجميع، يواسيه ويداوي جراحه، ويشرف على دفنه إذا نال الشهادة، بل ويخلفه في أهله أحيانًا. كل ذلك دون النظر إلى قبيلته أو حزبه أو دينه، يكفي أنه جندي يدافع عن تراب وطنه.

يجب أن تتغير النظرة للجيش السوداني؛ فهو ليس بمعزل عن شعبه، وأفراده هم أبناء هذا الشعب يتأثرون بالتفاعلات والتطورات في شتى مناحي الحياة السودانية، مما دفع بهم لمواكبة ذلك. فأصبح الجيش أكثر تطورًا ووعيًا، خاصة في ما يتعلق بالأمن القومي وتهديداته، وقضايا الهوية والوحدة الوطنية. وهذا نتاج طبيعي لاهتمام قيادته بتأهيل الأفراد في هذه المجالات وغيرها من المجالات التي تسهم في تطور وتقدم البلاد. يمكننا القول إن الجيش السوداني الآن فيه الكثير من الكوادر والقيادات التي تستطيع أن تقود عملية التوافق الوطني في المرحلة المقبلة أو أن يكون لها الدور الأعظم في ذلك.

الجيش السوداني هو المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تجد الحد الأدنى من الإجماع في هذه الظروف الصعبة من تاريخ البلاد، وعلينا استغلال ذلك والاستثمار فيه لنصل إلى توافق وطني مرضٍ نبني عليه، ونسعى لتوسيعه مستقبلًا.

لا أقول بأن يُترك الأمر للجيش السوداني وحده، ولكن اجعلوها محور التوافق ومفتاح الحوار.

نواصل.

search